الهدایة والعبودیة فی انوار نبوة الأنبیاء
یتلخّص دعوة الأنبیاء ورسالتهم بإثارة دفائن العقول؛ وإرشادهم إلی الفطرة بمعرفة الله؛ وتوحیده؛ والنجاح من الشرک والکفر إلی الطاعة والعبودیة لله سبحانه وتعالی؛ وتنظیم أمور المعاش والمعاد بما جاؤا من عند الله العلیم الحکیم.
قال أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه: «فَبَعَثَ فِیهِمْ رُسُلَهُ؛ وَ وَاتَرَ إِلَیْهِمْ أَنْبِیَاءَهُ؛ لِیَسْتَأْدُوهُمْ مِیثَاقَ فِطْرَتِهِ؛ وَ یُذَکِّرُوهُمْ مَنْسِیَّ نِعْمَتِهِ؛ وَ یَحْتَجُّوا عَلَیْهِمْ بِالتَّبْلِیغِ؛ وَ یُثِیرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ؛ وَ یُرُوهُمْ آیَاتِ الْمَقْدِرَةِ؛ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ؛ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ؛ وَ مَعَایِشَ تُحْیِیهِمْ؛ وَ آجَالٍ تُفْنِیهِمْ؛ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ؛ وَ أَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَیْهِمْ؛ وَ لَمْ یُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِیٍّ مُرْسَلٍ؛ أَوْ کِتَابٍ مُنْزَلٍ؛ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ؛ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ؛ رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ؛ وَ لَا کَثْرَةُ الْمُکَذِّبِینَ لَهُمْ؛ مِنْ سَابِقٍ سُمِّیَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ؛ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ؛ عَلَى ذَلِکَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ؛ وَ مَضَتِ الدُّهُورُ؛ وَ سَلَفَتِ الْآبَاءُ؛ وَ خَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ؛ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ؛ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ ؛ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِیِّینَ مِیثَاقُهُ؛ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ؛ کَرِیماً مِیلَادُهُ؛ وَ أَهْلُ الْأَرْضِ یَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ؛ وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ؛ وَ طَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ بَیْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ؛ أَوْ مُلْحِدٍ فِی اسْمِهِ؛ أَوْ مُشِیرٍ إِلَى غَیْرِهِ؛ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ؛ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَکَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ؛ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلی علیه وآله لِقَاءَهُ؛ وَ رَضِیَ لَهُ مَا عِنْدَهُ؛ وَ أَکْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْیَا؛ وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى؛ فَقَبَضَهُ إِلَیْهِ کَرِیماً». 1
فیستهدف دعوة الأنبیاء أموراً. منها:
1- أول دعوتهم وأکبر هدفهم هدایة الناس علی أداء ما خلقوا لإجله وهو معرفة الله والعبودیة له سبحانه؛ کما قال الله عزّوجلّ: «وَ مَا خَلَقْتُ الجِْنَّ وَ الْانسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ (الذاریات: 56)»؛ وأن ینبّهوا «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتىِ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیهَْالَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَالِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لَکِنَّ أَکْثرََ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ (الروم: 30 )» فی کلّ زمان وفی کلّ مکان؛ و إصلاح العقیدة فی الله ؛ وتصحیح الصلة بین العبد وبین خالقه؛ والدعوة لإخلاص الدین لله والعبودیة له وحده عزّوجلّ؛ وأنه هو النافع المستحق للعبادة والدعاء والإلتجاء والنسک لساحة قدسه وحده؛ وکانت حملة الأنبیاء وهجمة تبلیغهم متمرکزة وموّجهة إلی نفی الشرک والکفر والنفاق والإلحاد. یشهد بذلک آیات عدیدة من القرآن وسنّة دعوتهم علیهم السلام.
2- من رسالة الأنبیاء الدعوة إلی معرفة أنفسهم والإیمان بنبوّتهم وکمالاتهم المفاضة من الله الرؤف الرحیم؛ وهم أئمّة یهدون بأمرالله تعالی إلی المعارف الأصیلة التی هی من أرکان الدین وأساسه؛ ولن ینال العقل إلی معرفتها إلا بالتعلم عمّن یوحی إلیه بإذن الله. مثلاً من وظائف النبوة و رسالتها الدعوة بعوالم الغیبیة الّتی لایصل العقل إلیها من دون هدایة الأنبیاء علیهم السلام. فمن زعم أن العقل من دون تعلّم عن الأنبیاء وبإستقلاله یدرک الحقایق والمعارف فقد ضلّ عن الحق؛ ولایصل علی المطلوب سیّما فی الأمور الغبیة الّتی لایدرکها العقل ولایعرفها إلاَ بالإستضائة ممّا أوحی الله إلی أنبیائه علیهم السلام. فلا یختصّ قصور العقل بتحصیل الأحکام؛ بل قصوره فی إدراک العقائد والمعارف الّتی من الأمور الغبیة من الواضحات وإختلاف الآراء فیها من أقوى الشاهد بذلک .
قال الفقیه الأعظم الشیخ الأنصاری رضوان الله علیه: «وأوجب من ذلک الخوض فی المطالب العقلیة النظریة؛ لإدراک مایتعلق بأصول الدین فإنه تعریض لهلاک الدائم والعذاب ا لخالد»2. وقال الشیخ المفید أعلی الله مقامه: «وأتفقت الإمامیة علی أن العقل یحتاج فی علمه نتائجه إلی السمع ینبّه العاقل علی کیفیة الإستدلال».3
وقال عفیف عبد الفتاح طبّارة من علماء العامة : ولقد حاولت الفلسفة الإغریقیة وغیرها أن تخوض فی الإلهیّات؛ فجائت بالسخف المرذول والمتناقض من الآراء؛ کما إختلف العلماء حدیثاً فی تفسیرهم لهذه الإلهیّات عند ما إعتمدوا علی عقولهم؛ بینما الأنبیاء جاؤا بالقول الفصل فی تفسیر وتحدید هذه القوّة الإلهیّة بما یطمئنّ إلیه العقل.4
3-من رسالة الأنبیاء علیهم السلام تعلیم الأخلاق الفاضلة وتهذیب النفوس عمّا یردیها بتبیین الأحکام والسنن؛ وترغیب الناس إلی المعارف الحقّة؛ ومحاسن الأخلاق؛ والأعمال الصالحة الّتی تؤّهل الإنسان إلی مرضات الله سبحانه؛ ویصحّح صلة بین العبد و بین ربّه؛ وبتحذیرالناس وترهیبهم من مساوی الأخلاق والأعمال المنکرة الّتی یفسد بها المجتمع الأنسانی وتؤدّی إلی سخط الله وعذابه. فینتظمون نظام الحیاة للإنسان بإرائة الطریق له؛ لیسلک الحیاة المثلی بالشرائع والمعارف الراقیة الّتی یتلقونه من الله عزّوجلّ.
واضح عند الکلّ: أن الناس بجمیع أقشارهم لایستطیون التوصل بعقولهم إلی جمیع ذلک؛ بل الأقلّ منها. لأن عوامل غرائزهم وشهواتهم تجعل مصالحهم فی هفوة متفاوتة؛ وعقولهم محدود لا یحیط جمیعها. قد یعملون الشرّ إذا کان فی ظاهر الأمر غنم وفائدة؛ وقدیترکون الخیر إذا کان لایضمن مایتوّهمون منافع ولا یرضی أهوائهم الخاصّة. الدلیل الواضح لذلک یومنا هذا شعار الدفاع عن حقوق البشر فی برنامج الأثیمة الدول الجائرة الطاغیة الّتی تدّعی أنهم وصلوا إلی درجة العالیة من الرقی والمدنیة؛ مع ذلک لاخفاء لأحد تراکم ما یسوّد وجوههم فی عالمنا الیوم من الفتن والظلم والطغیان و إنتهاک حقوق الضعفاء وانحدار دمائهم المحترمة بأیادیهم الأثیمة، خذلهم الله تعالی.
1-شرح نهج البلاغة عبده من خطبة الأولی
2-فرائد الأصولج1 ص21
3أوائل المقالات ص44
4-الأنبیاء مع القرآن الکریم ص15
- ۹۱/۰۸/۰۹